​ السؤال الآن في ليبيا: هل يمكن الجلوس على الطاولة مع الانقلابي والمحتلين المجرمين؟

تسجل قوات حكومة الوفاق الوطنية الليبية المدعومة من قبل تركيا، انتصارات تلو انتصارات ضد الانقلابي حفرت خلال الأيام الأخيرة. بعد طرابلس والوشكة وترهونة ومن ثمّ سيرت تواصل وحدات الجيش الليبي تقدمها دون انقطاع نحو الجفرة والموارد النفطية في الجنوب.

بينما باتت قوات الوفاق الآن هي المطارِدة، فإن حفتر الهارب لم يتمكن من أخذ أنفاسه داخل ليبيا ولا حتى في بنغازي أو طبرق حيث قوته وسلطته، بل في القاهرة عند أحد من يمثلهم رسميًّا من الانقلابيين الرسميين كالسيسي.

إن حفتر قبل شهرين فقط أخذته العزة بالإثم حيث كان بينه وبين تحقيق انقلابه مقدار ذرة، ممّا أعطاه وقاحة رفض قبلها حضور مؤتمر برلين للتوقيع على مقترح السلام والمصالحة نهاية يناير الماضي، والذي لم تكن دعوة الحضور لحفتر في الأصل شيئًا يستحقه. بعد ذلك أيضًا وعقب اتصالات دبلوماسية مكثفة بين تركيا وروسيا تم الاتفاق على وقف لإطلاق النار، قبِل حفتر به إلا أنه لم يُذعن له تمامًا. لدرجة أنه في اليوم الذي أعلن قبه قبوله وقف إطلاق النار، راح يستهدف المدنيين والمشافي في طرابلس التي كانت تحت حصاره.

والآن حفتر هذا عندما أدرك أن لا طاقة له أمام التقدم الساحق الذي تحققه قوات الوفاق، راح نحو السيسي الذي يعتبر مصدر إلهامه على صعيد تنفيذ الانقلابات تلو الأخرى في وجه الممثلين الشرعيين للشعب الليبي، ليدعو من هناك جميع الأطراف نحو إطلاق النار، ويعلن أن لا حل في ليبيا غير الحل السياسي.

إن السيسي الذي يحاول نقل تجربته الانقلابية في مصر قبل 6 سنوات إلى ليبيا من خلال جلب حفتر إلى جانبه فضلًا عن رئيس برلمان طبرق عقيلة صالح، وكأنه يحاول السخرية من عقل العالم بأكمله، قد أوقع في الأصل نفسه بموقف مضحك من خلال إعلانه مبادرة القاهرة. إن معظم ما جاء في البيان الآن قد نادت به تركيا قبل سنوات عديدة؛ وهو تشكيل كيان سياسي يتم تشكيله ضمن حوار بين جميع الأطراف في ليبيا دون استبعاد أي أحد، وطرد العناصر الأجنبية من الدولة والتشجيع على الحل السياسي.

وماذا بعد؟ حينما كان حفتركم يقوم بالانقلابات تلو الأخرى بتشجيع وتحريض ودعم منكم كانت فرص ومراحل الحل السياسي قائمة، وقد كانت جميع مسودات الدستور وجميع أسس كيان الدولة المدنية والوطنية والديمقراطية جاهزة وحاضرة في الأصل نحو نهاية هذه المرحلة من الحل السياسي. ولو أن حفتر لم يقف في وجه هذه المبادرة السياسية عبر انقلاباته التي قام بها، لكانت قد استمرت وصولًا إلى منح ليبيا حقها في الاستقلال والحياة التي يستحقها أبناؤها من مواردها التي تملكها.

لقد حاول حفتر والقوى الداعمة له الاستيلاء على بلد وجدوه دون حماية، حاولوا نهبَ خيراته وموارده وظلمَ أصحابه وسلبَهم من حقوقهم الأصلية. وفي تلك الأثناء لم يصغوا لأي دعوة تحث على الإنصاف والضمير والحقوق والقانون والعدالة. أما الآن فتراهم يذكرون جميع هذه المصطلحات، لكن لماذا؟ لأنهم خسروا.

يقول أحد الحقوقيين الليبيين: منذ هذه الساعة فإن الشيء الوحيد الذي يستحقه هؤلاء هو المحاكمة. وأن قضية أن يكون لهؤلاء رأي في تحديد مستقبل ليبيا، يتعارض مع القانون والمنطق والتاريخ السياسي والضمير كذلك.

هذا الحقوقي الليبي ذاته يقول أيضًا: في الواقع عندما رأينا حفتر وعقيلة صالح إلى جانب السيسي الذي يقف ضد الشعب الليبي منذ البداية، توقعنا شيئًا وإن كان مستحيلًا؛ وهو أن يعتذروا عن الإساءة التي اقترفوها بحق الشعب الليبي والدماء التي أراقوها. إلا أنهم في الحقيقة خرجوا علينا وكأنهم هم المنتصرون في هذه المعركة، بل ويتحدثون عن مستقبل ليبيا ويقدمون المقترحات بلغة المنتصر الرحيم الذي يعفو عند المقدرة. من أنتم؟ من هناك في ليبيا يمكنه أن يأخذكم على محمل الجد؟ إن أكبر غضب يعتلج في صدر الشعب الليبي هو تجاهكم. إن الشعب الليبي اليوم حينما ينظر إلى السيسي يرى أنه السبب في كل ما يجري على مدار 6 أعوام من انعدام استقرار وألم واضطهاد وقتل، ولا يمكن أن يضع الليبيون لكلام السيسي أي اعتبار. إنهم حينما يخرجون علينا بصورتهم إلى جانب السيسي، فأي قسم من الشعب الليبي يعتقدونه أنهم سيقف أو يتعاطف معهم؟

في الحقيقة إن هذه الصورة بنظر الشعب الليبي حتى الذين في طبرق وبنغازي اللتين تحت سيطرة حفتر وعقيلة صالح، لا يمكن أن يتبادر لأذهانهم من هذه الصورة إلا فريق خيانة ضد الشعب الليبي على مدار السنوات الأخيرة. إن هذه الصورة التي جمعت هؤلاء الأشخاص لا تذكّر أحدًا إلا بالأشياء السيئة التي حدثت على مدار الـ 6 أعوام. اليوم هؤلاء الأشخاص يدعون من المكان الذي هربوا إليه محتمين به؛ لوقف إطلاق النار والحل السياسي. وعلاوة على ذلك فإنهم ينظّرون حول من يجب أن يخرج من ليبيا بكل وقاحة. إن السلام الذي يبحثون عنه لم يتحقق، هذا واضح. إنهم لا يريدون سوى فرصة تمكنهم من استعادة أنفاسهم لمواصلة هجماتهم ومحاولات انقلابهم واحتلالهم.

إلا أن الكلمة الفصل قد قيلت وانتهى الأمر.

من المعلوم من يجب عليه الخروج من ليبيا، ومن يجب أن يخضعوا للمحاكمة، ومن المعلوم جدًا جدًا لمن هي ليبيا.

إن ليبيا بكامل ترابها ومواردها وقرارها للشعب الليبي.

وإن تركيا من أجل تحقيق ذلك لبّت نداء الأخوة وهي موجودة لهذا السبب هناك.

Read Previous

أمهات المفقودين الذين اختطفتهم مليشيات حفتر أمام دار الرحمة بطرابلس

Read Next

تقرير| تعقيبا على المبادرة المصرية.. دول المغرب العربي تؤكد تمسكها بالشرعية الدولية والاتفاق السياسي