الإرادة الليبية المنتزعة

 

أبوبكر بلال/ كاتب ليبي

بسبب الانقسام السياسي الذي شهدته البلاد منتصف عام 2014م وما تبعه من حربين في شرقها وغربها استولى كل طرف على شطر من شطريها وتدخل الأمم المتحدة عبر أقطابها المتنافرة لإنهاء هذا الانقسام من خلال حوارات متعددة هنا وهناك، فقد ترتب على ذلك كله سلب الإرادة من كل هذه الأطراف وارتهان قراراتها لدى أطراف خارجية تعنى بليبيا وتتزاحم على النفوذ فيها.

وعلى الرغم من أن الدولة الليبية بعد ثورة فبراير وانتخاب المؤتمر الوطني العام كانت دولة هشة بسبب تركات النظام السابق وبسبب الدخول في حرب مع النظام انتهت بسقوطه إلا أن المؤتمر الوطني العام كان سيد نفسه وكان يتخذ القرارات بإرادة وطنية حرة عبر التصويت دون تدخل من أي جهة خارجية التي اكتفت فقط بدعم أشخاص معينين ومحاولة توصيلهم إلى سدة الحكم أو إلى منصب سيادي رفيع، ولا يخفى على واحد منا أن الانتخاب المباشر من الشعب صاحب الشرعية ووحدة البلاد وتطلع الشعب آنذاك إلى قيام الدولة المنشودة بعد فبراير كان رافدا قويا لأن يكون قرار ساسة البلاد في أيديهم دون تدخل صريح ومباشر من أي قطب دولي.

خلافا لذلك كله ما حدث بعد الانقسام السياسي وتدخلت الأمم المتحدة في الشأن الليبي عبر أقطابها المختلفة بشأن ليبيا وأجرت حواراتها وجلساتها في جنيف والمغرب وتونس وترتب على ذلك كله اتفاق سياسي هش لم يطبق حتى الآن بسبب وجود إرادة بعض الدول الإقليمية والدولية التي لم تجد مصحة في هذا الاتفاق أو أنها تعد الاتفاق سلما للوصول إلى مشروع آخر ربما يكون الحكم العسكري المطلق أو إجراء انتخابات تنصب من يدعمونه سيدا وحكما لهذه البلاد، وبدلا من أن يلتئم صدع البلاد فإن الانقسام السياسي ظل على حاله، فقد كان من قبل مؤتمر وطني في الغرب وبرلمان في الشرق ليصبح اليوم مجلس رئاسي في الغرب وقيادة عامة في الشرق، وأصبح هذا الانقسام معززا لخطف الإرادة وارتهانها لدى داعمي هذا الطرف أو ذاك.

قد يتصور أحدنا أن حفتر في الشرق هو الذي يدبر الأمور هناك وهو الذي يقود معاركه ويحقق انتصاراته على الأرض بداء بمدينة بنغازي وانتهاء بمدينة درنة، وقد يتصور أحدنا أن المجلس الرئاسي في الغرب هو الذي يشرف ويحرك كل شيء في المنطقة التي يزعم أنه يتحكم فيها، أبدا ليس الأمر كذلك فمن يشرف ويرتب ويقود هنا وهناك ليست هذه الأجسام المصنوعة التي نراها على الشاشات وتعقد المؤتمرات الصحفية واحد تلو الآخر تتحدث فيها عن إنجازاتها ونتائج أعمالها.

تحدثنا عن ذلك ما شهدناه من وقائع وأحداث على الأرض فالطرف الذي كان يتقاتل مع حفتر لم يكن متساويا معه في القوة العسكرية تحديدا ورغم ذلك فقد ظل يقاومه ثلاث سنوات في مدينة بنغازي، وحينما كانت هناك ترتيبات ومفاوضات بين اللاعبين الدوليين بشأن ليبيا وتوقف دعم حفتر قليلا رأينا كيف أن قوات سرايا الدفاع عن بنغازي تصل منطقة قمينس على تخوم مدينة بنغازي بعد أن سيطرت على الموانئ النفطية ولولا تدخل الحليف الفرنسي لحفتر لوصلت هذه القوات إلى بنغازي، والأمر ذاته هو ما حدث قبل أيام قليلة مع قوات إبراهيم الجضران التي هاجمت الهلال النفطي واستولت عليه في وقت قليل جدا حتى توفر الدعم الدولي من جديد وأرجع المشهد على ما كان عليه سابقا.

الحال نفسه هو ما حدث في غرب البلاد فمن مكن للمجلس الرئاسي وأدخله البلاد عبر القاعدة البحرية هم عناصر دولية رتبت كل شيء لا سيما مع بعض الكتائب العسكرية، ثم لم تتركه وحيدا يناوئ القوة العسكرية الرافضة له المؤيدة للمؤتمر الوطني العام وحكومته بل ظلت تدعمه حتى أخرجت المناوئين له خارج مدينة طرابلس واستولت على مقراتهم ومواقعهم ولم يقتصر الأمر على طرابلس فحسب بل تعداها إلى بعض المناطق الأخرى كمدينة صبراته ومحاولته الفاشلة في مدينتي الزاوية وزوارة.

وما من شك في أن من يقدم لك البلاد على طبق من ذهب يكون الأمر يسيرا لديه في جعلك تأتمر بأوامره وتنفذ قراراته وهو ما نشهده اليوم في كل خطوة يخطوها هذا الطرف أو ذاك بدءا من التكليفات لا سيما العسكرية والأمنية منها وانتهاء بالقرارات الخاصة بالنفط والتنقيب عن الغاز، وحين يتعلق الأمر بتنفيذ رغبات هذه الأطراف فإنه بالتأكيد لن يكون من ضمن قراراتها ما يخص المواطنين وينهي معاناتهم وطوابيرهم الطويلة أمام المصارف والمخابز.

Read Previous

هجوم مسلح على حقل السرير بمنظومة النهر الصناعي

Read Next

المصري بدر حامد مديرا فنيا للفئات السنية بنادي أهلي طرابلس